يشكل الذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، وإنترنت الأشياء جزءاً من حياتنا اليومية في عام 2018، وذلك بفضل المطورين والباحثين والمفكرين الفضوليين والموهوبين والمتفوقين الذين يحركون التكنولوجيا إلى الأمام بموهبتهم وبفضولهم العلمي وتفوقهم في مجالاتهم المختلفة. بعض حقول العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات لديها وفرة من العاملين المحترفين، في حين أن البعض الآخر يواجه نقصاً كبيراً، والطلب ما زال مستمراً. على سبيل المثال، يمكن أن يكون من الصعب الحصول على وظيفة في مجال العلوم، بينما تجد من يختصون في علم البيانات والتكنولوجيا يملأون وظائفهم بشكل أسهل.

عموماً، فإن نمو الوظائف ذات العلاقة بنظام ستيم STEM كان 10.5% مقارنة مع الوظائف المتعلقة بالتخصصات الاخرى وذلك في الفترة من 2009 إلى 2015. ومستقبلاً، سوف يحتاج الشباب إلى الذهاب باتجاه تخصصات ستيم STEM، وسيحتاجون إلى معرفة عميقة بالحوسبة. لكن هل يذهبون إلى تلك المهن؟ 
نظام ستيم STEM هو اختصاراً للكلمات (Science, Technology, Engineering, and Math)، وهو منهج يقوم على فكرة تثقيف الطلاب في أربعة تخصصات محددة وهي العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وذلك باتباع منهج متعدد التخصصات وبشكل تطبيقي، بدلاً من تدريس التخصصات كمواضيع منفصلة
الأطفال الذين ينشأون اليوم منخرطون في التكنولوجيا بطريقة لم تكن عليها الأجيال السابقة، فحياتهم متجذرة في التكنولوجيا، ولكن الكثير منهم يتخلون عن فضولهم حول مواضيع العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات (STEM) في مرحلة مبكرة من حياتهم المهنية في المدارس، وخاصة الفتيات. المعلمون مسؤولون عن تشجيع وتوجيه الأطفال باتجاه العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. يمكن أن يشكل هذا التوجه تحدياً للمعلمين في الطريقة التي سيقومون فيها بتوجيه الطلبة نحو هذه التخصصات، ولكن ذلك ليس مستحيلاً. 

فيما يلي بعض الطرق التي يمكن للمدرسين في مرحلة التعليم الأساسي أن يساعدوا من خلالها في معالجة النقص في نظام ستيم التعليمي.

التحفيز نحو الإبداع والفضول العلمي

خلافا للاعتقاد الشائع، فإن مهن STEM تنطوي على قدر كبير من الإبداع المبني على الفضول والأسئلة. بدون الإبداع والفضول، لا يوجد ابتكار ولا تكنولوجيا جديدة أو اكتشافات علمية. يبدأ الأطفال بتجربة واستكشاف العالم من حولهم منذ سن مبكرة جداً، إذاً، المرحلة الابتدائية هي مرحلة مناسبة وليست مبكرة كما يعتقد البعض. يمكن للمدرسين أن ينسجوا تجارب ممتعة في تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، عن طريق استعراض الأسئلة التي يطرحها الطلاب حول العالم واستخدام المشاكل البسيطة التي يواجهها الأطفال (مثل محاولة الوصول إلى شيء على رف مرتفع) وذلك لتوضيح كيفية عمل STEM في حياتنا اليومية. ومن المهم أن لا يقمع المعلم الطالب الذي يسأل خارج السرب، وأن يحفزه ويحاول أن يفهم السبب الذي جعله يسأل سؤاله، لا أن يسخّفه ويهينه أمام زملائه، ما يقتل الإبداع في طلابنا ويزرع فيهم رهبة السؤال. يعتبر إشراك الطلاب في المراحل الأساسية من المسيرة التعليمية أمراً أساسياً للاهتمام الدائم بالعلوم والرياضيات والتكنولوجيا.

رفض الحكم المسبق

العديد من البالغين، بما في ذلك المدرسين، قد تشبعوا في أفكار نمطية خاطئة فيما يخص تخصصات ستيم (العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات)، حيث تتضمن هذه الصور النمطية الاعتقاد الخاطئ بأن بعض الطلاب أكثر موهبة "بشكل طبيعي" من الآخرين في العلوم والرياضيات!. ففي كثير من الأحيان، يثبط المربون والآباء أبناءهم من من متابعة الاهتمام في مواضيع ستيم ظناً منهم بأن أبناءهم غير قادرين على ذلك، دون أدنى دليل لديهم على حكمهم المسبق! لذلك، يحتاج المعلمون إلى أن يكونوا على وعي تام بالتحيزات والاحكام اللاواعية الخاصة بهم، وأن يعملوا ضد هذه التحيزات داخل الفصل الدراسي. هذا مهم بشكل خاص عندما ينتقل الطلاب من المدرسة الابتدائية إلى المدرسة المتوسطة، ومن المدرسة المتوسطة إلى المدرسة الثانوية، حيث يميل الاهتمام بـ STEM إلى الانخفاض مع تقدم الأطفال في السن! مواقف المعلمين تجاه STEM مؤثرة بشكل كبير حيث يمكن أن تشجع أو تثبط المشاركة في هذه المجالات.

استخدام التكنولوجيا

حتى يتحمس الأطفال نحو التكنولوجيا، لا بد أن تتاح لهم الفرصة لاستخدامها، وأن يشعروا بالراحة عند استخدامها. يمكن أن تكون البرمجة وكتابة الاكواد أمراً مرعباً لبعض الطلبة، ولكن البرامج التي تعلم البرمجة من خلال ألعاب الفيديو يمكن أن تكون أكثر سهولة ومتعة للأطفال. ولحسن الحظ، فقد بدأنا نرى الكثير من التكنولوجيا تدخل الفصول الدراسية، وزيادة الخيارات لتعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات وتحسين كفاءة الطلاب مع أجهزة الكمبيوتر. وهذا ما نتمنى على معلمينا أن يستخدموه أثناء تدريسهم، كل بطريقته الخاصة.

تدريس عقلية النمو

أمضت الباحثة كارول دويك من جامعة ستانفورد في كاليفورنيا العديد من سنوات حياتها في دراسة "العقلية"، وكيف تؤثر على الذكاء والقدرة. ووجدت أن العقلية لها علاقة بالقدرة، ويمكن تحسين هذه القدرة من خلال توظيف "عقلية النمو" Growth Mindset. وعقلية النمو هذه تحقق معظم قدراتنا من خلال التعلم والعمل الجاد، وليس من خلال قدرة فطرية جاهزة أو محكوم عليها مسبقاً.
يعتقد الشخص الذي يمتلك عقلية ثابتة بأن ذكاءه ثابت، في حين من يملكون عقلية النمو يعتقدون بأن ذكاءهم قابل للتطور
يتم تثبيط العديد من الطلاب في الرياضيات والعلوم، لأنك عندما تتحداهم بالمشكلات والمفاهيم، يتسبب ذلك في اقتناعهم بأنهم غير جيدين في هذه المواضيع. ونشير هنا إلى إمكانية أن يساعد المعلم طلابه على إكسابهم الثقة في أنفسهم من خلال التركيز على الطريقة التي نصل فيها إلى الحل والخطوات التي تؤدي بنا إلى النتائج، لا أن نهتم بالنتائج فقط.

إن اعتماد دواء معين والاستفادة منه قد يستغرق سنوات من التجارب ومن الإخفاقات والنجاحات حتى يصل لمرحلة أن نستفيد منه، ولو نظرنا إلى التطور التكنولوجي اليوم فسنرى أننا نستخدم الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء في كثير من أمور حياتنا، ولكن ذلك كان نتيجة سنوات طويلة من العمل والجهد والنجاحات والإخفاقات. 
يحتاج خبراء المستقبل في مجالات ستيم إلى مرونة في التعامل معهم في وقتنا الحاضر، وهذا يبدأ في المدرسة.