مقدمة
بحسب قاموس كامبريدج، يعرف الذكاء بأنه القدرة على التعلم والفهم وإطلاق الحكم على شيء ما أو امتلاك الشخص رأيا معينا حول موضوع معين استنادا لمبرر ما. وفي حياتنا اليومية، اذا ما وصفنا شخصا ما بانه ذكي فإن أول ما يتبادر الى الاذهان أنه مميز في الرياضيات او الفيزياء او اي من المواد العلمية. هذا هو التعريف الذي يسود مجتمعنا حول الذكاء. إلا أن الذكاء بمفهومه التربوي يتجاوز ذلك بكثير ولا ينحصر في المواد العلمية ولا القدرات العقلية المجردة، فهناك الذكاء الاجتماعي و البصري المكاني والجسدي واللغوي والرياضي المنطقي والموسيقى (محمود و المحارمة، 2012)، وفي عصر الثورة الرقمية الحديثة ظهر مصطلح جديد يصف الذكاء لغير البشر وهو الذكاء الاصطناعي، وهو علم يحتوي على برامج حاسوبية تتسم بخصائص معينة تجعلها تحاكي القدرات الذهنية البشرية، ومن أهم هذه الخصائص القدرة على التعلم (ميرة و كاطع، 2019). وإذا ما عدنا الى عالم التربية فسنجد أيضاً مصطلحات تخص الذكاء مثل الذكاء الانفعالي أو الذكاء العاطفي emotional intelligence وهذا هو موضوع بحثنا هذا.
الإطار النظري
يتكون مصطلح الذكاء الانفعالي من شقين؛ الذكاء Intelligence والانفعال Emotion، أما الذكاء فقد تناولنا معناه في مقدمة البحث، وأما الانفعال Emotion فيعرفه قاموس أكسفورد بأنه أي اضطراب أو تهيج في العقل أو المشاعر أو العواطف. ويشير جولمان Goleman (1996) بأن الانفعال عبارة عن مشاعر معينة تصاحبها أفكار محددة، وحالة نفسية وبيولوجية واستعدادات متفاوتة للسلوك. ويعتبر ماير وكاروسو وسالوفي (2016) أن الانفعالات هي المسؤول الأول عن تنظيم استجابتنا حيث تظهر على شكل نموذجي في الاستجابات للأحداث الهامة، كما إنها تتصل بحالة الفرد النفسية، وسواء كانت العواطف أو الانفعالات قصيرة أو طويلة، فإنها تكون ذات تأثير قوي وفعال على الأفراد.
الذكاء الانفعالي
لقد تطرقنا إلى مفهومي الذكاء والانفعال بشكل منفصل، ولكن ماذا عن مصطلح الذكاء الانفعالي كمصطلح تربوي؟ تم استخدام مصطلح الذكاء الانفعالي في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات حيث كان جرينسبان Grinsban من أوائل من استخدموا هذا المصطلح في أواخر الثمانينيات (محمد أ.، 2007)، وقد تعددت تعريفاته كثيرا، فهو مصطلح جديد وما زال يشوبه بعض الغموض. ويعرفه مارلو وإنمان (2002)، بأنه مجموعة من المهارات لحل المشكلات الخاصة بالتعامل الاجتماعي و تكوين نتاجات اجتماعية مفيدة و هو مرادف للكفاية الاجتماعية. أما مایر وسالوفي (1995) فيعرّفاه بأنه نوع من الذكاء الاجتماعي الذي يتضمن القدرة على توجيه مشاعر الفرد ومشاعر الآخرين والتمييز بينها واستخدام المعلومات لتوجيه تفكير وسلوكيات الفرد. أما ابراهام (2000) يراه بأنه مجموعة من المهارات تسهم بالتقييم الدقيق للانفعال والكشف عن الإشارات الانفعالية لدى الآخرين واستخدام المشاعر لزيادة دافعية الفرد في حياته.
بالنظر إلى التعريفات السابقة، نجد أن معظمها قد تحدث عن قدرات عقلية وتفاعل مع هذه القدرات، كما أنها تناولت جانباً شخصياً وآخر يخص التعامل مع الآخرين، أي أنّ الذكاء الانفعالي لا يكتفي بالقدرات والمهارات على المستوى الشخصي، بل لا بد أن يستخدم المرء هذه القدرات والمهارات مع الآخرين ليتمكن من فهمهم واستيعابهم وتشجيعهم، وهنا تظهر أهمية إضافة مصطلح (الانفعالي) إلى (الذكاء)؛ فالذكاء وحده قد لا يؤهلك لمساعدة الآخرين والتأثير فيهم، بينما الانفعال والتفاعل وتوجيه مشاعر الآخرين والتحكم في المشاعر الذاتية كلها تحتاج أكثر من مجرد قدرات عقلية. من هنا، بدأ النقاش في أوساط الباحثين: هل الذكاء الانفعالي قدرات يستطيع الفرد أن يمتلكها إذا ما تمرن عليها أم هو مهارة يهبها الله لمن يشاء أم هو الاثنتين معا؟
نظريات فسرت الذكاء الانفعالي
تعددت الآراء حول تفسير الذكاء الانفعالي، وانقسمت إلى قسمين؛ قسم يفسره على أنه قدرات عقلية بحتة، والقسم الآخر يراه خليطاً من القدرات والمهارات الشخصية. سنستعرض نموذجين لكل قسم من هذه الأقسام لنتعرف على وجهات نظرهم بشكل أعمق.
نظريات فسرت الذكاء الانفعالي على أنه قدرات
نموذج سالوفي وماير (Mayer, Salovey, and others 1997)
عرّف كلٌ من سالوفي وماير الذكاء العاطفي (الانفعالي) بأنه قدرة الفرد على رصد عواطفه الخاصة وعواطف الآخرين، وأن يميز بينهما وأن يستخدم هذه المعلومات في توجيه سلوكه وعواطفه. واعتبرا أنّ الفرد الذكي عاطفياً أفضل من غيره في التعرف على عواطفه وعواطف الآخرين، ولديه القدرة على التعبير عن عواطفه بصورة دقیقة تمنع سوء فهم الآخرين له. في التسعينيات من القرن الماضي، وضع العالمان سالوفي وماير نموذجاً أسمياه نموذج القدرة (Ability model) وقد قسّما الذكاء الانفعالي في حينها إلى أربع قدرات هي؛ إدراك العواطف وتعني التعرف على العواطف التي تواجه الفرد وتقييمها والتعبير عنها بصورة دقيقة، واستثمار العواطف وتعني القدرة على استخدام العواطف لترشيد التفكير ورؤية الأمور من زوايا متعددة، وفهم العواطف وتعني القدرة على تحليل العواطف المختلفة التي تواجه الفرد والقدرة على فهم أسباب العواطف وكيفية تطورها وماهية مكوناتها والقدرة على التنبؤ بها والتعبير عنها. وأخيراً، إدارة العواطف وتعني القدرة على ضبط العواطف المتعلقة بالذات وبالآخرين بصورة تسمح بالتكيف الفعال مع الموقف (Mayer et al., 2016).
في العام 2016، قام كلٌ من سالوفي وماير بمراجعة شاملة لنموذج القدرات الخاص بهما حيث عملا على تطويره وتحديثه بما يتناسب مع معتقداتهما حول الذكاء الانفعالي من أجل تعزيز فائدته ودراسة آثاره، حيث يتم تحديد موقع الذكاء الانفعالي وسط الذكاءات "الواسعة" ذات الصلة، مع الحرص على التمييز بين الذكاء العاطفي والشخصي و الذكاءات الاجتماعية، وتوضيح أمثلة على التفكير لكل واحدة من هذه الذكاءات. وعليه، فقد أصبح نموذج القدرات "سبعة مبادئ" بدلاً من "الأربعة قدرات" التي كانت في النموذج السابق. وهنا عرض لهذه المبادئ:
المبدأ الأول: الذكاء العاطفي هو قدرة عقلية
فيما يتعلق بكيفية تفكير الناس في العواطف، يقترح العالمان أن الأشخاص الأذكياء عاطفياً:
●يدركون العواطف بدقة.
●يستخدمون العواطف للتسهيل على أنفسهم في عمليات التفكير.
●يفهمون العواطف والمعاني العاطفية.
●يديرون العواطف في أنفسهم وفي الآخرين.
المبدأ الثاني: من الأفضل أن يقاس الذكاء العاطفي على أنه قدرة
يرى العالمان أن أفضل قياس للذكاء أن يتم التعامل معه كقدرات وذلك من خلال طرح المشكلات على الأشخاص لحلها، وفحص الأنماط الناتجة للإجابات الصحيحة النموذجية. فالناس من وجهة نظرهما ضعيفون في تقدير مستويات المعلومات الخاصة بهم، سواء كان ذكاءهم العام أو ذكاءهم الانفعالي؛ لأن الناس يفتقرون إلى المعرفة بماهية حلّ المشكلات بشكل عملي، كما يفقترون الى تقدير قدراتهم؛ فهم يعتمدون على ثقتهم بأنفسهم واحترامهم لذاتهم وثقتهم بطريقة تفكيرهم الحكيمة! كل هذه ميزات غير فكرية لذلك تؤدي إلى أحكام غير صحيحة -من وجهة نظر العالمين-.
المبدأ الثالث: حلّ المشكلة بطريقة ذكية لا يعني التصرّف أو السلوك الذكي
يعتقد العالمان أن هناك فرقاً واضحاً بين الذكاء والسلوك. سلوك الشخص هو تعبير عن شخصية الفرد في سياقه الاجتماعي (Mischel, 2009) وتشمل شخصية الفرد دوافعه وعواطفه والنمط الاجتماعي الذي يعيشه ووعيه الذاتي وتحكمه بذاته. كل ذلك يساهم في تحديد سلوك الفرد بغض النظر عن مستوى ذكائه. بالمقابل، قد يمتلك الشخص ذكاءً تحليلياً عالياً، لكنه لا يوظفه في شيء مفيد! وهذا يوضح الفجوة ما بين القدرة وتحقيق الانجازات.
المبدأ الرابع: يجب أن يكون محتوى الاختبار واضحاً -ومحدّداً لمنطقة المشكلة المراد حلّها- وذلك كشرط مسبق لقياس القدرة العقلية
لفحص الذكاء الانفعالي بشكل صحيح يجب أن يغطي موضوع الاختبار الذي نقوم به المنطقة المراد حلّ المشكلة فيها. مثلاً، إذا أجرينا اختباراً لقياس الذكاء اللفظي في مادة معينة، يجب على مطوري الاختبار تغطية المجالات الرئيسية المطلوبة لحل المشاكل اللفظية؛ مثل الفهم والمفردات وفهم الجمل وما شابه ذلك من مهارات.
بمجرد إنشاء محتوى الاختبار، يمكن استخدامه لتحديد القدرات العقلية للشخص. حيث تنعكس قدرات حلّ المشكلات لدى الأشخاص من خلال البنية الارتباطية للاستجابات (العلاقة بين الاستجابات) التي يقدمونها لعناصر الاختبار. من هنا يتم الكشف عن قدرات الأشخاص؛ وذلك عندما ترتفع أو تنخفض مجموعة من الدرجات على عناصر الاختبار عبر عينة من الأفراد.
المبدأ الخامس: تحتوي الاختبارات الصالحة على موضوع محدد جيدًا بحيث يستطيع استخلاص القدرات العقلية البشرية
تعتمد صلاحية الاختبار على كل من المحتوى الذي يقدمه الاختبار والقدرات العقلية البشرية التي ينتجها. من هذا المنظور، تمثل درجات الاختبار تفاعلاً مهماً بين القدرات العقلية للشخص والمشكلات التي يتعين عليه حلّها. بالمقابل، إذا كان محتوى الاختبار سيئاً، فلن نستطيع تحديد القدرات العقلية بشكل جيد، لأن فقرات الاختبار ستحرف المجال أو القدرات التي نبحث عنها.
أيضاً، إذا تداخلت مجالات الاختبار مع مجالات بعيدة عن الموضوع المنشود، فقد تظهر عوامل القدرة الزائدة عن الحاجة مع مناطق أخرى؛ فإذا كان محتوى الاختبار واسعاً جداً، فقد تظهر مجموعات انتقائية من عوامل القدرة، وإذا كان المحتوى ضيقًا جدًا، فقد يفشل الاختبار في استخلاص القدرات العقلية الأساسية. عندها -وعلى حد تعبير العالمين- ستحلّ عملية إدخال القمامة وإخراجها محلّ القياس الجيد (يشبّهون المعلومات التي تدخل رأس المتقدم للاختبار بالقمامة لعدم فائدتها!).
مما سبق، نرى أنه من المهم تحديد محتوى الاختبار جيداً ليفحص قدرة عقلية محددة؛ فقد يطرح أحدهم اختباراً في مجال المعرفة اللفظية، فتكون فقرات الاختبار حول الشعر، وكتيبات التعليمات، ومعاني الكلمات، فعلى الرغم من تنوع المواد في هذا الاختبار، إلا أن المتقدمين للاختبار يستخدمون ذكاءً لفظياً واحدًا فقط لفهمهم جميعاً. من ناحية أخرى، قد تبدو مهارة "تحديد ما هو مفقود في الصورة" ومهارة "تدوير كائن في الفضاء (في أذهاننا)" وكأنها تعتمد على نفس الفهم البصري؛ لكن في الحقيقة، فإنّ تحديد الجزء المفقود من الصورة يعتمد بشكل أساسي على "الذكاء الإدراكي التنظيمي"، بينما تعتمد مهمة تدوير الكائن في المقام الأول على "القدرة المكانية"، وهما قدرتان عقليتان مختلفتان تماماً عن بعضهما البعض (Wai, Lubinski, and Benbow 2009).
المبدأ السادس: الذكاء العاطفي ذكاء واسع
يقول سالوفي وماير: نحن ننظر إلى الذكاء العاطفي على أنه ذكاء "واسع". ينبثق مفهوم الذكاءات الواسعة من منظور هرمي للذكاء يشار إليه باسم كاتيل-هورن-كارول أو "نموذج ثلاثي الطبقات" (McGrew 2009). في هذا النموذج، يوجد الذكاء العام، في أعلى التسلسل الهرمي، وينقسم في الطبقة الثانية إلى سلسلة من ثمانية إلى 15 ذكاءً واسعاً. يعتمد النموذج على الاستكشافات التحليلية للعوامل لتفسير ارتباط القدرات العقلية مع بعضها البعض. تشير مثل هذه التحليلات إلى أن التفكير البشري يمكن أن يكون مثمراً مقسماً إلى مجالات مثل التفكير السلس والفهم والمعرفة، والمعالجة المكانية المرئية، والذاكرة العاملة، والتخزين والاسترجاع على المدى الطويل، وسرعة الاسترجاع. ويشتمل نموذج الطبقات الثلاث أيضًا في أدنى مستوى له على قدرات عقلية أكثر تحديداً. على سبيل المثال، الذكاء الواسع "فهم المعرفة" يتضمن القدرة على فهم المفردات ومعرفة المعلومات العامة عن العالم.
تنقسم الذكاءات الواسعة إلى فئات فرعية (McGrew, 2009; Schneider and Newman 2015). واحدة من هذه الفئات تعكس القدرات الوظيفية الأساسية للدماغ؛ مثل سرعة المعالجة العقلية، والذاكرة العاملة. فئة أخرى من الذكاءات الواسعة تشمل الأعضاء الذين تم تحديدهم بواسطة النظام الحسي الذي يرتبطون به؛ بما في ذلك الذكاء السمعي والذكاء اللمسي / الجسدي.
المبدأ السابع: الذكاء العاطفي هو فئة من فئات الذكاء الواسع التي تركز على معالجة المعلومات الساخنة
يعتقد العالمان سالوفي وماير أن الذكاءات الواسعة تقسم إلى قسمين؛ ساخنة وباردة. الذكاءات الباردة هي تلك التي تتعامل مع المعرفة غير الشخصية نسبياً؛ مثل الذكاء اللفظي، والقدرات الرياضية، والذكاء البصري المكاني. أما الذكاءات الساخنة فهي التي تتعامل مع التفكير المنطقي بمعلومات ذات أهمية للفرد، وهي أمور قد تزعج قلوبنا أو تجعل دماغنا يغلي -على حد تعبيرهم-.
يستخدم الناس هذه الذكاءات الساخنة لإدارة الأمور الأكثر أهمية بالنسبة له كشعورهم بالقبول الاجتماعي، وتحديد الهوية الشخصية، والرفاهية العاطفية أو فيض المشاعر لديهم، حيث يؤدي الفشل المتكرر في التفكير في هذه الأمور إلى ألم نفسي يتم معالجته - بمستويات شديدة - في نفس مراكز الدماغ التي تعالج الألم الجسدي! (Eisenberger, 2015). الذكاء الاجتماعي "ساخن" لأن القبول الاجتماعي مهم بشكل أساسي بالنسبة لنا.
أخيراً، يقترح سالوفي وماير أن الذكاء الشخصي سيكون حديثاً عضواً في مجموعة الذكاء الساخن؛ لأن إحساسنا بالذات هو مصدر أساسي للمتعة والألم الداخليين، بدءاً من الرضا عن النفس والاعتزاز بالجانب الإيجابي، إلى الأفكار والأعمال الانتحارية والعفوية على الجانب السلبي.
نموذج ويسنجر (Weisinger, 1998)
هذا النموذج يستند بشكل كبير على نموذج سالوفي وماير حيث قاسم ويسنجر بتقسيم الذكاء الانفعالي الى قدرتين هما الأولى مرتبطة بالبعد الشخصي وتتضمن؛ الوعي بالذات، وإدارة العواطف، والدافعية الذاتية. أما الثانية فأسماها البعد بين الشخصي وتتضمن؛ الاتصال الجيد بالآخرين ومراقبة عواطفهم.
نظريات فسرت الذكاء الانفعالي على أنه قدرات ومهارات
نموذج بار-أون (Bar-On, 2006)
يعتقد بار-أون أن الذكاء العاطفي هو خليط من القدرات العقلية والمهارات الشخصية التي تؤثر في قدرة الفرد على النجاح ومواجهة متطلبات البيئة. ويرى بأن هذه القدرات والمهارات هي التي تمكّن بعض الأفراد من النجاح في حياتهم بينما يفشل البعض الآخر.
اقترح النموذج خمسة أبعاد للذكاء الانفعالي:
1.عوامل داخلية: أسماها الذكاء الشخصي للفرد وتشمل؛ الوعي بالذات وتأكيد الذات واستقلالية الذات واعتبار الذات وتحقيق الذات.
2.عوامل خارجية: تتعلق بمهارات الأفراد وقدرتهم على إقامة العلاقات والتفاعل مع الآخرين وتشمل؛ التعاطف، والمسؤولية الاجتماعية، والعلاقات مع الآخرين.
3.عوامل التكييف: ويقصد بها قدرة و مهارة الفرد على التكيف الناجح مع متطلبات الحياة الواقعية وتشمل؛ اختبار الواقع والمرونة وحل المشكلات.
4.عوامل إدارة الضغوط: وتعني قدرة الفرد على مواجهة الضغوط دون انهيار والسيطرة والتحكم بعواطفه وتشمل؛ تحمل الضغوط وضبط النفس من الاندفاعات.
5.عوامل الحالة المزاجية: قدرة الفرد على رؤية الجانب المشرق من الحياة والرضا عن نفسه وعن الآخرين وتتضمن؛ التفاؤل والسعادة.
نموذج جولمان (Goleman, 1996)
عرف جولمان الذكاء الانفعالي بأنّه قدرة الفرد على التفكير والوعي بعواطفه وعواطف الآخرين والسيطرة على اندفاعاته وتأجيل رغباته و القدرة على تحفيز الذات على التعاطف مع الآخرين.
يتكون مفهوم الذكاء العاطفي لدى جولمان من خمسة أبعاد هي:
البعد الأول هو الوعي بالذات حيث يرى جولمان أن لهذا البعد تأثيراً في العواطف والانفعالات. وقد حدد مكونات هذا البعد بمعرفة الفرد لعواطفه وقدرته على اكتشافها والتعبير عنها وربطها بما يفكر فيه، وأن يمتلك الشخص الثقة في ذاته.
أما البعد الثاني فهو إدارة العواطف و يقصد بها قدرة الفرد على التحكم في عواطفه وأفكاره وأفعاله وتنظيمها بطريقة إيجابية و ملائمة تمكّن الفرد من تهدئة نفسه. مكونات هذا البعد من وجهة نظر جولمان هي؛ قدرة الفرد على ضبط عواطفه و التحكم فيها وقدرته على تغيير حالاته المزاجية عندما تتغير عليه الظروف، بالإضافة إلى قدرة الفرد على تنظيم عواطفه و توليد أفكار جديدة، والتكيف مع الأحداث الجارية.
أما البعد الثالث عند جولمان فهو الدافعية وتعني قدرة الفرد على تحقيق هدف ما وتحفيز الذات ما يدفع إلى التفوق والإبداع الإيجابي للعواطف للوصول إلى أفضل أداء و يتضمن هذا البعد؛ تحمل الضغوط والتفاؤل والعمل المتواصل والدافع للإنجاز والأمل والتركيز.
والبعد الرابع يتناول التعاطف ويعني قدرة الفرد على قراءة عواطف الآخرين من أصواتهم أو تعبيرات وجوههم والتعرف عليها والاستجابة لها. والأفراد الذين يتميزون بمهارة التعاطف يكونون من وجهة نظر جولمان أكثر حساسية للمواقف، وفهماً لعواطف الآخرين ومساعدة لهم. كما أنهم يكونون أكثر وعياً بالقوانين المنظمة في المجتمع.
البعد الخامس والأخير وهو المهارات الاجتماعية ويقصد بها فن إدارة العلاقات بين الأفراد بصورة فعالة وامتلاك مهارة تطويع عواطف الآخرين والتأثير بهم. ويرى جولمان أن هذه المهارات تتضمن المهارة في تكوين علاقات اجتماعية وأداء أدوار قيادية. بالإضافة إلى مهارة الاتصال والتعاون مع الآخرين والعمل مع الفريق وإدارة الصراعات والأزمات وتقبل التغيرات الحاصلة في المجتمعات.
دراسات وتقارير حديثة حول الذكاء الانفعالي
أصدرت شبكة لينكدإن Linkedin للتواصل المهني والوظيفي تقريراً حول المهارات المادية (Hard Skills) والمهارات الناعمة (Soft Skills)؛ وهي المهارات الشخصية الأساسية التي تمكننا أو لا تمكننا من تحقيق الإنجازات.، حيث أصبحت هذه المهارات أساسية بحيث يجب على كل موظف أو مهني العمل على بنائها لمستقبل وظيفي مرموق (Nuys, 2019).
من قائمة المهارات الناعمة الأكثر طلباً في الشركات في العام 2020، ظهر في المركز الخامس مصطلح الذكاء الانفعالي حيث لم يكن هذا المصطلح مطلوباً ولا معروفاً من قبل في عالم الأعمال. وتم تعريفه على أنه القدرة على إدراك عواطفك ومشاعر الآخرين وتقييمها والاستجابة لها. ويعتبر الذكاء الانفعالي أو العاطفي جديداً في قائمة المهارات الأكثر طلباً هذا العام، لما له من أهمية في كيفية تفاعل الموظفين مع بعضهم البعض.
وفي دراسة أجنبية حديثة بعنوان (الطلاب الأذكياء عاطفياً هم أكثر تفاعلاً ونجاحاً: دراسة دور الذكاء العاطفي في التعليم العالي) توصل الباحثون أن الذكاء العاطفي لديه علاقة إيجابية مع مختلف نتائج نجاح الطلاب في التعليم العالي. وبشكل أكثر تحديداً، يتم تعريف نجاح الطالب في التعليم العالي ليس فقط من حيث التحصيل الأكاديمي ولكن أيضاً من حيث تحقيق الطالب نتائج التنمية الشخصية المرغوبة (المعروفة أيضًا باسم نتائج التعلّم العامة، والتي تشمل التفكير النقدي ومهارات الاتصال والكفاءة الاجتماعية، والوعي الذاتي) ودرجة رضا الطلاب عن تجربتهم الجامعية. إن كلّ جانب من جوانب الحياة التعليمية يرتبط فعليًا بالذكاء العاطفي، وإن المعرفة والمهارة والسلوك أمور أساسية لتكون مدرساً مميزاً ولكنها غير كافية (Zhoc et al. 2020).
هذا ما خلصت له مقالة حديثة بعنوان (دور كفاءات الذكاء العاطفي في التدريس الفعال وأداء المعلمين في التعليم العالي) تبحث في مفهوم الذكاء العاطفي (Emotional Intelligence) عند معلمي التعليم العالي وكيف يمكن دمجه في التدريس الفعال "ككفاءات ذكاء عاطفي" ( Emotional Intelligence Competencies) لتحقيق أداء عالٍ في التدريس والوظيفة بشكل عام. في هذه الدراسة، تم تطبيق العلاقات الارتباطية (Structural Equation Modelling) للتحقق من صحة واقتراح نموذج للكفاءات التعليمية القائمة على الذكاء العاطفي وعلاقتها بالكفاءات الأساسية. وقد ثبت إحصائياً أن الذكاء الانفعالي ككفاءة EIC له تأثير قوي على موقف المعلمين والذي بدوره يساهم بشكل أكبر في أدائهم المتفوق -على حد تعبيرهم-. وفي نهاية المقال يوصي الباحثون ويقترحون أن المعاهد يجب أن تولي أهمية حاسمة لتعزيز EIC وبالتالي تنفيذ برامج التدريب المناسبة لضمان التدريس الفعال والأداء المتفوق (Kaur, Shri, and Mital 2019).
وأخيراً، أود أن أعرض هذه الدراسة النوعية الحديثة التي تناولت موضوعاً غاية في الأهمية، وهو سوء فهم الذكاء العاطفي من قبل المعلمين وخطره على المؤسسة. عنوان الدراسة (الذكاء العاطفي والتعلم الاجتماعي العاطفي: سوء تفسير النظرية وتأثيرها عملياً). قام الباحثون في هذه الدراسة بتطبيق دراسة نوعية من نوع دراسة حالة (case study) حيث قاموا بجمع بيانات من مجموعة من أعضاء هيئة التدريس وغير المدرسين من أربع مدارس ابتدائية بريطانية. وقد تناولت الدراسة الأنشطة المستخدمة لتعزيز المهارات الاجتماعية والعاطفية والسلوكية للأطفال داخل هذه المؤسسات. وقد كشفت البيانات كيف كان الموظفون يأملون في تحسين مستويات الذكاء العاطفي لدى التلاميذ من خلال نماذج التعلم الاجتماعي والعاطفي (Social and Emotional Learning) إلا أن سوء فهم بعض المدرسين أنفسهم للذكاء الانفعالي والاجتماعي العاطفي حال دون ذلك، حيث تشير النتائج إلى أن تفسير الموظفين للذكاء العاطفي كإطار نظري ومفاهيمي أثر بقوة على عملهم الاجتماعي والعاطفي مع الأطفال، في حين أن التفسير (الخاطئ) للنظرية أدى إلى حالات تم فيها تهميش بعض السلوكيات ذات القيمة. وفي نهاية البحث نصح الباحثون العاملين في المؤسسات إلى فهم الذكاء الانفعالي والاجتماعي العاطفي بشكل صحيح وشمولي لتتحقق الفائدة المرجوة منه (Wood, 2020).
الخلاصة
مما سبق، نجد أن مصطلح "الذكاء الانفعالي أو العاطفي" قد أصبح الشغل الشاغل للباحثين والمؤسسات والإداريين، كما أنه أصبح ينافس على قائمة المهارات الناعمة التي تطلبها الشركات للتوظيف لما له من أهمية بالغة في زيادة كفاءة الموظفين وبيئة العمل. وهذا بطبيعة الحال ينطبق على الواقع التربوي والتعليمي في المدارس والجامعات، لذلك نرى أنه من الواجب على وزارة التربية والتعليم أن تهتم في هذا المجال الحديث، وأن تعمل على تأهيل كفاءات من المدراء والمعلمين والمشرفين والإداريين ليكونوا على دراية تامة بماهية الذكاء الانفعالي، ومعناه، وطريقة تطبيقه على الفئات المستهدفة، ومراحل بنائه، ومقاييسه، والهدف من كل مقياس، حتى لا يقعوا في فخّ ما تحدثت عنه دراسة (الذكاء العاطفي والتعلم الاجتماعي العاطفي: سوء تفسير النظرية وتأثيرها عملياً) والذي تمت مناقشته في هذا البحث سابقاً من أن التفسير (الخاطئ) للنظرية أدّى إلى حالات تم فيها تهميش بعض السلوكيات ذات القيمة.
المراجع الأجنبية
Abraham, Rebecca. 2000. “The Role of Job Control as a Moderator of Emotional Dissonance and Emotional Intelligence--Outcome Relationships.” The Journal of Psychology 134(2):169–84.
Bar-On, Reuven. 2006. “The Bar-On Model of Emotional-Social Intelligence (ESI).” Psicothema 18:13–25.
Eisenberger, Naomi I. 2015. “Social Pain and the Brain: Controversies, Questions, and Where to Go from Here.” Annual Review of Psychology 66:601–29.
Goleman, Daniel. 1996. “Emotional Intelligence. Why It Can Matter More than IQ.” Learning 24(6):49–50.
Kaur, Irameet, Charu Shri, and K. M. Mital. 2019. “The Role of Emotional Intelligence Competencies in Effective Teaching and Teacher’s Performance in Higher Education.” Higher Education for the Future 6(2):188–206. doi: 10.1177/2347631119840542.
Marlow, L., and D. Inman. 2002. “Pro-Social Literacy: Are Educators Being Prepared to Teach Social and Emotional Competence? Paper Presented at the Annual Meeting of the National Council of Teachers of English.”
Mayer, John D., David R. Caruso, and Peter Salovey. 2016. “The Ability Model of Emotional Intelligence: Principles and Updates.” Emotion Review 8(4):290–300. doi: 10.1177/1754073916639667.
Mayer, John D., and Peter Salovey. 1995. “Emotional Intelligence and the Construction and Regulation of Feelings.” Applied and Preventive Psychology 4(3):197–208.
Mayer, John D., Peter Salovey, and others. 1997. “What Is Emotional Intelligence.” Emotional Development and Emotional Intelligence: Educational Implications 3:31.
McGrew, Kevin S. 2009. “CHC Theory and the Human Cognitive Abilities Project: Standing on the Shoulders of the Giants of Psychometric Intelligence Research.”
Mischel, Walter. 2009. “From Personality and Assessment (1968) to Personality Science, 2009.” Journal of Research in Personality 43(2):282–90.
Nuys, Amanda Van. 2019. “New LinkedIn Research: Upskill Your Employees with the Skills Companies Need Most in 2020.” Retrieved September 30, 2020 (https://www.linkedin.com/business/learning/blog/learning-and-development/most-in-demand-skills-2020).
Schneider, W. Joel, and Daniel A. Newman. 2015. “Intelligence Is Multidimensional: Theoretical Review and Implications of Specific Cognitive Abilities.” Human Resource Management Review 25(1):12–27.
Wai, Jonathan, David Lubinski, and Camilla P. Benbow. 2009. “Spatial Ability for STEM Domains: Aligning over 50 Years of Cumulative Psychological Knowledge Solidifies Its Importance.” Journal of Educational Psychology 101(4):817.
Weisinger, Hendrie. 1998. “Emotional Intelligence at Work: The Untapped Edge for Success.” Univerza v Mariboru, Ekonomsko-poslovna fakulteta.
Wood, Peter. 2020. “Emotional Intelligence and Social and Emotional Learning: (Mis)Interpretation of Theory and Its Influence on Practice.” Journal of Research in Childhood Education 34(1):153–66. doi: 10.1080/02568543.2019.1692104.
Zhoc, Karen C. H., Ronnel B. King, Tony S. H. Chung, and Junjun Chen. 2020. “Emotionally Intelligent Students Are More Engaged and Successful: Examining the Role of Emotional Intelligence in Higher Education.” European Journal of Psychology of Education. doi: 10.1007/s10212-019-00458-0.
المراجع العربية
•القدومي، عبدالناصر عبدالرحيم محمد. (2017). العلاقة بين الذكاء الانفعالي والسيطرة الدماغية لدى ضباط الشرطة الفلسطينية. مجلة العلوم والدراسات الإنسانية، 0-32.
محمد، أحمد نبيه إبراهيم محمد. (2007). بناء مقياس الذكاء الانفعالي للرياضيين. المجلة العلمية للتربية البدنية وعلوم الرياضة، 49، 43-74.
أماني محمود، و لينا المحارمة. (2012). مستوى الذكاءات المتعددة لمعلمي التربية الخاصة في الأردن. المجلة الدولية التربوية المتخصصة، 1(10).
امل كاظم ميرة، و تحرير جاسم كاطع. (2019). تطبيقات الذكاء الاصطناعي في التعليم من وجه نظر تدريسي الجامعة. المؤتمر العلمي الدولى الأول للدراسات الإنسانية (الصفحات 293-316). بغداد: مركز البحوث النفسية.
عبدالناصر عبدالرحيم محمد القدومي. (2017). العلاقة بين الذكاء الانفعالي والسيطرة الدماغية لدى ضباط الشرطة الفلسطينية. مجلة العلوم والدراسات الإنسانية، 0-32.
16/12/2020 03:12 4,815